الأخصائيين النفسيين بإدارة أبوكبير التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأبداع وتنميته من منظور تكاملي

اذهب الى الأسفل

الأبداع وتنميته من منظور تكاملي Empty الأبداع وتنميته من منظور تكاملي

مُساهمة  الأستاذ علي حامد الرشدي الجمعة نوفمبر 12, 2010 12:39 pm

مقدمة:

منذ أقدم العصور ،حرصت الشعوب والحكومات علي أن تقدم لأبنائها اكبر قدر من الرعاية والاهتمام ،لتضمن لنفسها مكانا لائقا في ميادين التقدم المختلفة ، وما إنشاء المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والأكاديميات العلمية وغيرها ، إلا اكبر دليل علي ذلك الاهتمام،وهي في نفس الوقت تعتبر الطريق الوحيد لبناء جيل يستطيع التعامل مع معطيات العلم الحديثة ، يستطيع أن يتعلم وينافس ويتفوق ، ويستطيع أن يدافع عن افكارة وثقافة أمته ويحمي وطنه ومعتقده ويزرع ويصنع وينتج، ويعتمد علي نفسه بعد الله وبعون الله وتوفيقة، ويستطيع التعرف علي أحدث ما أنتجه العصر الحديث من تقنيات وتكنولوجيا وتوظيفها لخدمة دينة وأمته ووطنه ومجتمعه وأسرته وذاته.
(نوال بنت عبدالله الضبيبان،2008،ص ص 131-202)

وفي العصر الحديث أدركت اغلب الدول والمجتمعات أهمية التربية والتعليم للجميع وأنها ضرورة لكل أبنائها وبناتها، وضرورة الإطلاع علي كل جديد ، والأخذ بكل مفيد من العلوم ونبذ الضار منها،ولكن كل دولة اهتمت بهذا الأمر حسب معتقداتها وثقافتها ودينها،ونتيجة لذلك اتاحت هذه الدول الفرص التعليمية والتربوية لجميع أبنائها وبناتها علي السواء،فنتج عن ذلك أجيال متعلمة ومتسلحة بأرقي العلوم والمعارف.(المرجع السابق)

وليس ثمة شك في أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر القفزات السريعة التي تجعل الإيقاع المعتاد ، الذي يتعامل به الأمس فيما بينهم إلي عهد قريب ، ليس هو الإيقاع الذي يتعامل به العالم اليوم ، ولن يكون هو نفسه الإيقاع القادم بعد سنوات محدودة......والإيقاع المقصود هنا هو السرعة التي نتصرف بها في مواقف الحياة المختلفة والاستجابات الملائمة التي نتفاعل بها مع معطيات الواقع في الوقت المناسب دونما تقديم أو تأخير ، وتلك الاستجابات التي تتطلب المرونة والخبرة والملاءمة لمقتضيات الظروف والأحوال.
(مصري حنورة،2000،ص72)

وفي دراسة نشرها تورانس عن زيارة قام بها إلي اليابان ، أشار إلي أن العالم الغربي ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، ما لم يسارع إلي القفز فوق الواقع الحالي ، وصولا إلي الغد علي جسر الإبداع ، فان امة ذات 115 مليونا من المنجزين(يقصد اليابان) سوف تصبح في فترة وجيزة هي الأمة الأولي في العالم علي جميع المستويات الاقتصادية والعلمية والفنية وغير ذلك، خاصة وان بوادر هذا التفوق بدأت تظهر وبشكل واضح في كثير من المجالات ، وهو الأمر الذي جعل من الضروري التفكير جديا في بناء استراتيجية جديدة للتعليم والتنمية تعتمد أساسا علي استثمار نتائج بحوث الإبداع.(Torranc,1980,p.300)

ويؤكد العلماء علي أن الجنس البشري وبدون استثناء سوف يحقق مكاسب يمكن تصورها إذا أحسن استغلال القوي الميزة التي منحها الله لبعض عبادة، كل ذلك يحدث إذا ما تم تطوير الطاقات المبدعة والخلاقة التي يتحلى بها الموهوبون والمبدعون والعباقرة.(باسل عبدالجليل،2003،ص35)

تعريف الإبداع:

كثرت الآراء حول تحديد مفهوم الإبداع بجدول دقيق، وتتسم صعوبة تحديد هذا التعريف أو المفهوم فيما يتطلبه المنهج العلمي ، والذي يعتمد أساسا علي القياس، والشئ الذي يقاس لابد من تحديده جيدا. ويزيد من صعوبة هذا التعريف انه ليس هناك اتفاق من قبل العلماء لاختلافهم حول طبيعة المكان الذي تحدد فيه عملية الإبداع،بالإضافة للطرق المستخدمة في دراسته.
(نوال بنت عبدالله الضبيبان،2008،ص ص 131-202)

فالإبداع لغة هو الإتيان بأمر علي نحو لم يكن موجودا ابتداء،أو الخلق علي غير مثال أو الفعل غير المسبوق،ويقال :أبدعت الشئ أي اخترعته لا علي مثال ، وأبدع الشاعر أي جاء بالبديع، والبديع هو المحدث العجيب.
(مصري حنورة،2008،ص18)

وكلمة الإبداعCreativityترجع أصولها إلي الكلمة اللاتينية Creareبمعني يصنعTo make،والي الكلمة اليونانية Kraineineبمعني ينجز أو يحققFulfill.(مصري حنورة،2002،ص22)

والإبداع بمعناه العام هو إيجاد حلول جديدة للأفكار والمجدولات والمنهاج.وليكون الفرد عبقريا عليه أن يتقدم درجة غير عادية من الموهبة المطلوبة في حضارته، حيث أن العطاءات العظيمة هي التي تسترعي الانتباه وتجذبه،وتؤثر في الناس عبر ندرتها،وبالتالي تجدول مجموعة من الأشخاص ذوي القيمة.(فتحي عبدالرحمن جراون،2002،ص33)

ويري بعض الباحثين أن المعاني التي تشير إليها كلمة "إبداع" تتجاوز المائة ،ولكن من المتفق عليه عموما أن الإبداع يشار به في الحياة اليومية ، وكذلك في الاستخدام الفني إلي نوع من التصرف أو السلوك المغاير غير المتوقع النافع والملائم لمقتضي الحال،والاقتصادي في نفس الوقت.(Khatena,1973,p15)

وعموما يمكن القول أن الإبداع هو السلوك بطريقة جديدة متميزة غير مكررة نادرة وملائمة ومفيدة،ومما لاشك فيه أن الإبداع هو سمة العصر الحالي، وهو أبداع في العلوم والفنون وفي الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية في التربية والاقتصاد ،في الحروب والمفاوضات، وبدون سلوك إبداعي يتحول الكائن أو الجماعة إلي كيان محكوم علية بالتخلف وربما بالفناء.
(مصري حنورة،2008،ص2)

ووصف ماسلو الإبداع بالسمات الأساسية الكامنة في الطبيعة الإنسانية، وهي قدرة تمنح لكل أو معظم البشر منذ ميلادهم، بشرط أن يكون المجتمع حرا خاليا من الضغوط وعوامل الإحباط.وقد حدد نوعين من الإبداع علي النحو التالي:
-القدرة الإبداعية الخاصة،وتعتمد علي الموهبة والعمل الجاد المتواصل.
-إبداع التحقيق الذاتي، أو الإبداع كأسلوب لتحقيق الفرد لذاته.
(خليل المعايطةومحمد البوليز،2000،ص266)

وليس ثمة ريب في أن معظم القفزات الإبداعية قد تمت في ظل الأزمات والحروب، بمعني أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية-ضمن عوامل أخري- هي التي تدفع وتحرك الجهد العقلي عند الناس،والجهد العقلي المطلوب في تلك الإثناء هو غالبا جهد إبداعي يعتمد أساس علي طاقات عقلية وتعرف باسم القدرات الإبداعية،فما هي تلك القدرات؟(مصري حنورة ،2000،ص74)

القدرات الإبداعية:
هناك نماذج نظرية كثيرة لتصنيف القدرات الإبداعية في إطار البناء العقلي، ولكن من اشهر هذه النماذج النموذج الذي طوره جيلفورد، وانتهت به عمليات التطوير إلي ذلك النموذج الذي تصور فيه العقل الإنساني علي انه بناء له ثلاثة أبعاد أو أوجه هي:
1- بعد العمليات.
2- بعد المنتجات.
3- بعد المضامين.
حيث إن هذا البناء يتضمن(5خلايا للعمليات و6للانتاجيات و4للمضامين5×6×4=120خلية أو قدرة.(Guilford,1979,pp16-25)

وقد يكون من الأفضل فيما يري جيلفورد أن نقدم للشخص بروفيلا يحتوي علي درجاته في مختلف الاستعدادات المائه والعشرين،بحيث يمكن للفاحص المدقق أن يري أين تقع درجة الشخص في قدرة معينة علي هذا البروفيل الذي يمكن أن يشبه خريطة ولكنها خريطة لبناء العقل،فقد يكون الشخص متفوقا في استعدادات ومتخلفا في أخري. فليس من الضروري ان يكون الفرد متفوقا في جميع الاستعدادات العقلية من اجل أن يكون عبقريا مبدعا،فكثير من المبدعين كانوا ضعافا في الاستعدادات الحسابية مثلا،ولكنهم برعوا ونبغوا في فن التصوير أو الشعر،وهذا يؤكد سلامة النموذج البنائي الذي يقدمه جيليفورد لبناء العقل،باعتباره نموذجا ينظر إلي العقل ليس باعتباره وحدة كلية متجانسة ولكنه بالاحري عبارة عن نظام يضم الكثير من الوحدات التي ليس من الضروري أن تكون جميعها متماثلة من حيث القوة.
(مصري حنورة،2000،ص76)

ولكي يتم فعل الإبداع لابد من توافر عدد من القدرات العقلية الإبداعية لدي الفرد والتي تكون جزء من طاقته المعرفية ومن هذه القدرات:
1-قدرة الاصالةOriginality:
وهي تعني الجدة والندرة وعدم التكرار، أي انه لكي تتوفر تلك القدرة أو الخاصية، فلابد أن يتسم سلوك الشخص بعدة خصائص يلخصها البعض في ثلاثة أوصاف (جدة، وجودة، وجدوى) .
2- قدرة المرونة Flexibility:
وتعني الكفاءة في تغيير وجهة النظر والانتقال من موقف لأخر إذا ما اقتضي الأمر ذلك، هذا بالإضافة إلي التنويع وعدم التجمد أو التصلب.
3- قدرة الطلاقة Fluency:
وتعني ذلك الكم الكبير من أنماط السلوك الذي يصدر عن الفرد في وحدة زمنية محددة، والكم يعني الوفرة والكم أيضا يولد الكيف (الجودة).
(فتحي جراون،1998،ص120)

دراسة الإبداع من الناحية التاريخية:

إذا أردنا تقديم نبذه عن تاريخ الإبداع أو بداياته ،فيمكننا القول انه من المعروف إن قدماء المصريين كانوا علي درجة عالية من الإبداع في شتي المجالات،في علوم الفلك والرياضة والهندسة والطب والتحنيط،وفي مجال التربية كانت لهم إسهاماتهم التي جذبت إليهم دارسين من شتي بقاع العالم كأفلاطون،حيث هناك شواهد تؤكد انه قد درس في جامعة (اون) عين شمس القديمة، ونفس الأمر يمكن أن نقولة في الفلسفة، وفنون الحكمة وفقة اللغة والأديان.......كانت لهم انتاجاتهم الإبداعية في شتي المجالات.... وإذا لم تكن وصلتنا حتى الآن لهؤلاء الناس كتابات كثيرة عن بحوثهم ودراساتهم علي غرار ما وصلنا من مفكري اليونان،فذلك لأسباب عديدة لعل من أهمها أن معظم ما كتبه هؤلاء المبدعين من قدماء المصريين قد ضاع مع ما ضاع من كنوز سرقت من المقابر أو احرقن في المكتبات أو هلكت عبر الزمان.
(مصري حنورة،2002،ص31)

والاهتمام بالإبداع والمبدعين ،وان بدا انه اهتمام قديم قدم الزمان إلا إن دراسته دراسة علمية قائمة علي المنهج الموضوعي لم تبدأ بشكل مكثف ومنظم كما اشرنا من قبل إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر،حيث كانت البداية متواضعة،ولكن ما لبثت المحاولات أن اشتد عودها وتطورت أساليبها مع منتصف القرن العشرين عندما بدأت موجة من البحوث بواسطة العالم الأمريكي جيلفورد الذي أطلق صيحته عام 1950معلنا بدء اتجاه جديد في دراسات العقل الإنساني ،ومنذ ذلك التاريخ والدراسات حول الإبداع والمبدعين تأخذ خطا متصاعدا في اتجاهات متعددة. فمن دراسة فعل أو عملية الإبداع إلي دراسة خصائص المبدعين من الناحية الذهنية والمزاجية والتعبيرية الإيقاعية إلي دراسة البيئة الاجتماعية المحتضنة للمبدعين،إلي ما ستجد علي الساحة مع نهاية الستينيات وعرف باسم العلاقة المنتورية ( Mentor Relationship ) أي تلك العلاقة التي تنشا بين تلميذ وأستاذ ويكون قوامها الحب المتبادل والرعاية الصادقة من قبل الأستاذ ( الراعي )، والوفاء الصادق من قبل التلميذ.(مصري حنورة،1997،ص62)

أما عن الاهتمام العربي بدراسة الإبداع فقد تحددت ملامحه الجادة في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، عدما شرع مصطفي سويف ومعه مجموعة من الباحثين في دراسة الإبداع ووضعوا بذلك أسس قاعدة متينة لكوكبة من الباحثين في مجالات متنوعة.....وانهمر الغيث وتوالت الدراسات التي اهتمت بالظاهرة الإبداعية عموما وبالإبداع في مجال الأدب علي وجه الخصوص.(مصري حنورة،2002،ص83)

أما في عهد الإسلام فقد اهتم النبي صلي الله عليه وسلم بتعليم أصحابه رضوان الله عليهم وأمته من بعدهم الطريقة الصحيحة للدعوة إلي سرا وجهرا،ومن ذلك الاهتمام بالخطابة والجهاد في سبيل الله ،وتعلم فنون القتال من الرماية والفروسية وغيرها.وقد نتج عن ذلك أن ظهرت الدعوة إلي الله،وانتشر الإسلام بفضل الله تعالي في شتي أنحاء المعمورة.كما اهتم النبي صلي الله عليه وسلم بالاختيار الصحيح للدعاة والقادة الذين حملوا علي كواهلهم لواء الدعوة ونصرة دين الله.كما أن المسلمين الأوائل قد فهموا أهمية الاهتمام ورعاية المبدعين من حفظة كتاب الله(القرآن الكريم) فاجتاحوا الدنيا بالعلم،وغيروا وجه الحياة بالمعرفة،وبنوا الإنسانية كلها حضارة عالمية راشدة،قبل أن يدرك احد معني العولمة بأربعة عشر قرنا.
(نوال عبدالله الضبيبان ،2008،ص ص131-202)

أما في العصر الحديث فقد زاد الاهتمام بالكشف عن النابغين وبذلت دول كثيرة جهودا كبيرة وأموالا طائلة،من اجل الكشف عن اكبر عدد من أبنائها النابغين، في جميع الأعمار وفي كل الطبقات الاجتماعية- وقد تميزت الجهود الحديثة بقيامها علي أسس علمية ونفسية وبدنية واجتماعية- وباتجاهها إلي الكشف عن النابغين في الطفولة والمراهقة وسن الرشد.
(حسن إبراهيم عبدالعال،2005،ص120)

مراحل الإبداع:

1- مرحلة الإعدادPreparation:
وهي المرحلة التي يحدث فيها جمع للمعلومات وتمكن من أسس المعرفة وتحديد المشكلة من جوانبها كافة. إنها المرحلة التي يتمكن من خلالها المتلقي من تجميع المعلومات ومن الوصول إلي درجة مناسبة من المعرفة حول الأسرار أو الأسس الخاصة بفن معين أو بالفنون عامة.

2- مرحلة الاختمار Incubation:
وهنا لا يحدث تفكير إرادي أو شعوري،بل سلسلة من الوقائع العقلية اللاإرادية هنا يبذل جهد عقلي شاق بل يفضل الفرد مبدعا أو متذوقا أن يسترخي ويتأمل ويتخيل حتى تنضج علاقاته بموضوعه الإبداعي أو التفضيلي علي مهل. هنا يحدث التداعي الحر أيضا وقد تلعب العوامل الوجدانية والانفعالية دورا أهم من العوامل العقلية أو المعرفية. وبعد فترة الاختمار الكافية غالبا ما تأخذ فترة الإشراق شكل الصورة البصرية المضيئة أو الإيقاعات الصوتية شديدة الحيوية فيمال يشبه التنوير المفاجئ.

3- مرحلة الإشراق Illumination:
هنا تظهر الأفكار والتصورات والحلول الإبداعية بطريقة مفاجئة وغير متوقعة بعد عدد من المحاولات غير الناجحة وفيما يشبه عمليات الاستبصار التي تحدثت عنها نظرية الجشطلت .هنا تتطور الخطط الفنية فجأة ، هنا أدرك أرشميدس قانون الطفو فجأة وقفز خارجا من الحمام وهو يصيح( يوريكا....يوريكا) أي (وجدتها...وجدتها) وهنا أدرك نيوتن كذلك قانون الجاذبية عندما رأي التفاحة تسقط فجأة أمامه .

4- مرحلة التحقيق أو التنفيذ Verification:
عندما يصل المبدع إلي حل مناسب والي تجاوز مناسب للعقبات التي تحول دون وصوله إلي إكمال عمله،فانه ينبغي أن يقوم بتقييم مناسب للناتج النهائي الذي وصل إليه ،هل هو جيد ؟هل هو جديد؟هل هو مناسب؟.....الخ هنا يتراجع المصور مسافة إلي الخلف ويتأمل لوحته. ويترك الكاتب عمله برهة ثم يعود لقراءتة . هنا يسود التفكير المنطقي والنقدي أكثر مما يسود التفكير الخيالي أو المجازي.فإذا وصل المبدع إلي حالة خاصة من الرضا عن عمله يكون هذا العمل قد اكتمل.
(شاكر عبدالحميد،2008،ص ص519-521)

وهناك دراسات أخري ذهبت مذهبا أخر علي أساس أن العملية الإبداعية جهد متصل وان ما بها من مراحل إن هو إلا حالات تتناوب علي عقل وكيان المبدع ،فالاختمار قد يحدث في أي مرحلة في البداية أو في الوسط أو في النهاية،أي أن هناك اختمارات متعددة.وكذلك نفس الأمر بالنسبة للإشراق حيث نلاحظ أن لحظات الانفتاح والاستبصار والتبلورة عديدة في نفس المرحلة. وبالتالي فان مسالة المراحل الأربع قد تكون دقيقة في وصف العمل ،ولكن الأدق أن نصف تتابع الفعل من خلال شكل الأداء ومضمونه والمعاناة التي يمر بها المبدع.
(مصري حنورة،2000،ص196)

الإبداع والمجتمع:

الإبداع يمكن أن يكون سلوكا فرديا ويمكن أن يكون اجتماعيا، ومن نافلة القول التأكيد علي أن المجتمع لكي يوصف بالإبداعية فلابد أن يتوافر فيه ما يمكن أن نطلق علية "ظاهرة إبداعية" بمعني شيوع سلوك الإبداع بين أفراده ومؤسساته كسلك متواتر ومرحب به ومدعم ومثاب أيضا.
(مصري حنورة،2002،ص43)

وبذلك فان البيئة الاجتماعية والظروف الثقافية السائدة ذات مردود عظيم الشأن علي نمو الإبداع ورعاية المتفوقين ،ومما لاشك فيه انه أيا كانت خصائص البيئة الاجتماعية والثقافية فان من المرغوب فيه أن تكون بيئة لا تقاوم الإبداع ولا تقف في وجه الموهبة. فإذا أضيفت إلي ذلك الحاجة الاجتماعية للإبداع فقد أمسي الطريق مفتوحا ومهيئا أمام الاهتمام برعاية الموهوبين والمتفوقين وإذا ما تم اختصار الطريق أمامهم بإتاحة الفرصة لهم للنمو والانطلاق،فمن المؤكد إن قدرا كبيرا من المعاناة المبذولة في مقاومة الضغوط والإحباط فقد تم اختزاله.ثم بعد ذلك إذا ما تفهمت البيئة احتياجاتها إلي الإبداع وحاجة المبدعين والموهوبين إلي الرعاية،فلم يعد ثمة شك في إن الطريق قد أصبح مفتوحا ومهيئا للانطلاق نحو ارتقاء الموهبة وازدهار الإبداع.
(مصري حنورة،2000،ص336)

ويجدر الإشارة إلي أن العصر الذي نعيش فيه لم يعد يحتمل ترك رعاية الإبداع للجهود الفردية بل لابد أن تكون هذه الرعاية بمثابة السياسة الثابتة للدول،بما يساهم في بناء المناخ الاجتماعي العام للمجتمعات، حتى يمكن مواكبة ظروف العولمة واللحاق بقطار التاريخ،وهو الأمر الذي تنبهت إليه العديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وغيرهما من بلاد أولت الإبداع أهمية خاصة ووضعته في قلب خريطة العملية التربوية كاستراتيجية مستقبلية. (مصري حنورة،2002،ص45)

حيث بدا العالم يهيئ الظروف المواتية لازدهار الإبداع بشتي الوسائل ومختلف الأساليب من قبيل تخصيب أنظمة التعليم أو التثقيف أو الترفية أو الإعلام بالمعطيات الإبداعية.وعلي سبيل المثال فقد بدأت أخيرا موجة من الاهتمام بظاهرة الرعاية المنتورية Mentorism كأسلوب يهتم باحتضان الموهوبين والمتفوقين من خلال رعاةMentors ليهم خصائص ومهارات في رعاية الآخرين كآباء وكقادة وكرؤساء وكممولين وكأصدقاء،كل ذلك في لحظة واحدة،عندئذ قد يجد الموهوب أو المبدع أو الدارس نفسه في كنف رعاية لصيقة واهتمام رشيد وحب موفور وتوجية أخلاقي وتربوي واجتماعي محفز.كل ذلك يتلقاه الفرد موضع الرعاية ليس بوصفه موضوعا للتدليل الزائد أو الرعاية اللصيقة وغير المسئولة،كلا بل إن كل ذلك يعطي له أو يقدم إليه في مقابل جديته وتفوقه وإخلاصه في العمل وإحساسه بالمسئولية وانطلاقة في التجويد والتجديد.فإذا اخل ببعد من هذه الأبعاد الذاتية في التفوق وجد المنتورMentor له بالمرصاد يحاسبه ويسأله ويقوم اعوجاجه لكي يعيده إلي جادة الصواب. (كمال مرسي،1993،ص196)

وانه من الضروري التنبه إلي إن رعاية الموهوبين ليست ترفا أو كمالا أو تزيدا أو انحيازا لفئة محدودة من الناس،القضية اكبر من ذلك بكثير،إن الموهوبين والمتفوقين ليسوا فئة محدودة فالتفوق يمكن أن يخلق حتى لدي الفئات غير الموهوبة أي التي لا تملك درجة عالية من القدرات الإبداعية ،والإبداع نفسه يمكن تنميته ،ومن خلال جهود اجتماعية تربوية رشيدة نكتشف كما اكتشف تورانس في دراسته عن المجتمع الياباني ،انه ن الممكن الوصول بمعظم أفراد المجتمع إلي مستوي متفوق من الأداء،أو كما وصفهم تورانس بمجتمع فائقي الإنجاز.(مصري حنورة،2002،ص46)

ونحن نحتاج إلي تربية وإعداد جيل من المبدعين العرب في شتي المجالات العلمية والتكنولوجية والفنية والأدبية إعداد يمكنهم من تحمل مسئولية قيادة المجتمع في المستقبل والنهوض به حتى نجد لنل مكانا في هذا العالم المحيط بنا،والذي أصبح بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي السريع،لا مكان فيه لمجتمع لا يمتلك جيل من المبدعين والرواد والعلماء القادرين علي مواجهة المشكلات المحيطة ومتطلبات المجتمع التي تفرضها ظروف العولمة في جميع أنحاء العالم. (كمال فرج،2007،ص ص101-127)

الكشف عن الفرد الموهوب أو المبدع:

الفرد الموهوب هو ثروة قومية لا تقل أهمية عن أي موارد طبيعية أو غير طبيعية والكشف عن هذا الفرد الموهوب يجب أن تنهض به مؤسسات قومية ذاتية ،وتتسم هي نفسها في ممارستها لعملها بالإبداع والابتكارية. فالأفراد الموهوبين موجودين في كل مكان،بل وربما يمكن القول أن هؤلاء الأفراد موجودون في الأماكن والتجمعات التي لا يتصور الناس أنهم موجودون فيها وخاصة في البيئات والتجمعات البشرية ذات الموارد الاقتصادية المتدنية،وهو الأمر الذي لا يساعد هؤلاء الأفراد علي الوصول إلي المواقع التي يسهل الكشف عنهم من خلالها.(مصري حنورة،2002،ص87)

إن نقطة البداية متي نبدأ وكيف،هي من اخطر الأمور التي علينا أن نوجه إليها الاهتمام كآباء وأمهات،فإذا فاتنا ذلك – ويجب أن نحرص علي ألا يفوتنا- فان البديل هو دور المدرسة التي عليها أن تمارس مسئوليتها في تقديم الرعاية المطلوبة للنبوغ والموهبة .إن المسالة لا ينبغي لها أن تترك للعمل الاختياري التطوعي،بل انه من الضروري تخطيط الجهد من اجل تبني أسلوب عملي في الكشف عن المهارات والمواهب وأوجه النبوغ لدي أبنائنا بداية من عمر الثالثة علي الأكثر واستمرار مع التقدم في العمر،حيث انه من الممكن أن يتأخر ظهور الموهبة إلي مرحلة لاحقة،وبالتالي فربما لا ننتبه إلي ذلك،ونهمل متابعة المواهب أو أوجه التفوق التي قد تتأخر،فتذبل وتذوي إذا لم يتم اكتشافها مبكرا.
(مصري حنورة،2000،ص ص346-347)

وتشير كثير من الدراسات المتتالية إلي أن الكشف عن الموهوبين يمكن أن يبدأ من وجهة نظر بعض الباحثين مع السنة الثانية أو الثالثة من العمر ،علي حين رأي آخرون انه يمكن تمييز النبوغ والتفوق منذ الشهور الأولي،ويؤكد بعض الباحثين انه مع نهاية السنة الثانية يمكن استخدام الوسائل والأدوات المناسبة للكشف عن النبوغ والموهبة. (Winner,1996,p14)



خطوات الكشف عن المبدعين والموهوبين ورعايتهم:

1- لابد من توافر طريقة علمية مقننة للكشف عن الموهوبين،ويمكن أن يتم ذلك من خلال استخدام أداة بسيطة،علي غرار قائمة الأنشطة الفعالة والمعروفة باسم قائمة كريشينبام للكشف عن المبدعين وذوي المواهب في الأعمار المختلفة،حيث يتم تطبيق الأداة وتجميع المعلومات عن الأفراد الموهوبين من خلال ملاحظتهم في مواقف عملية أو تربوية ويمكن أن يتحقق ذلك عبر فترة ملائمة تتراوح بين شهر وعام كامل حيث يمكن في نهاية المدة تحديد أسماء المتميزين منهم ويمكن أيضا للآباء والأمهات استخدام الأداة للكشف عن الموهبة لدي أبنائهم.
2- يتم ترشيح المتميزين للانضمام إلي تجمع تدريبي تحت أي مسمي علي مستوي مركزي (مدرسة في كل حي مثلا)وفي هذا التجمع تتم ملاحظة هؤلاء الأفراد في كل تخصص أو نطاق إبداعي لمدة أسبوعين من قبل المتخصصين في دراسات الإبداع والممارسة الإبداعية لترشح المتميزين منهم لتقديم الرعاية الخاصة بكل فئة منهم وفقا للإمكانيات المتاحة والسياسات المناسبة.
3- هناك خيارات متعددة لرعاية الموهبة،ومداخل متنوعة لهذا الغرض،ويمكن أن تتم تلك الرعاية من خلال الأسرة أو المدرسة أو جمعيات(مؤسسات) خاصة بتقديم الرعاية،كما يمكن للفرد نفسه أن ينمي إمكانياته الإبداعية في مجال الموهبة الخاصة به بأساليب التنمية الذاتية المعروفة. (مصري حنورة،2002،ص ص76-80)












المراجـــــــــــــــــــــــــــع

أولا:المراجع العربية:
1- باسل عبدالجليل (2003):من كيمياء الدماغ إلي التعلم والإبداع،مكتبة المتنبي ،الدمام.

2- حسن إبراهيم عبدالعال(2005): التربية وصناعة الإبداع، دار الصحابة للتراث ،طنطا.

3- خليل المعايطةومحمد البوليز (2000): الموهبة والتفوق، دار الفكر للطباعة والنشر ،عمان.

4- شاكر عبدالحميد(2008): الفنون البصرية وعبقرية الإدراك، الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة.

5- فتحي عبدالرحمن جراون(1998): الموهبة والتفوق الإبداعي ،دار الكتاب الجامعي ،العين.

6- كمال فرج(2007): قدرة مقياس ستانفورد-بينية للذكاء الصورة الرابعة علي التنبؤ بالإبداع لدي الأطفال العاديين والمعاقين ذهنيا،مجلة علم النفس العربي المعاصر،م(3)ع(2)،ص ص101-127

7- كمال مرسي(1993): رعاية النابغين في الإسلام وعلم النفس،دار القلم،الكويت.

8- مصري عبدالحميد حنورة(2008): تربية السلوك الإبداعي في مناخ العولمة، مجلة علم النفس العربي المعاصر،م(4)ع(2)،ص ص11-29.


9- مصري عبدالحميد حنورة(2002): علم النفس الأدب وتربية الموهبة الأدبية،المجلد الثاني دروب العبقرية وعطاء المبدعين،دار غريب للنشر والطباعة ،القاهرة.

10-مصري عبدالحميد حنورة(2000): علم نفس الفن وتربية الموهبة،دار غريب للنشر والطباعة،القاهرة.

11-مصري عبدالحميد حنورة(1997): الإبداع من منظور تكاملي،مكتبة الانجلو المصرية،القاهرة.

12- نوال بنت عبدالله الضبيبان (2008): العوامل المؤثرة علي مستوي الإبداع في المجتمع السعودي دراسة ميدانية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، مجلة علم النفس العربي المعاصر،م(4)ع(2)،ص ص131-202


ثانيا المراجع الأجنبية:

1-Guilford,J.P. (1979): Cognitive Psychology. Edits Publishers ,San Diego California.
2-Khatena,J.(1973): Creativity :Concept and Challenge, Educational Trends,8,1,pp7-15.
3-Torrance,E.P.(1980): Lesson about giftedness and creativity from nation of 115millions
over achievers, Gifted Child Quarterly,24,1,10-14.
4-Winner,E.(1996): Gifted Children Myths Realities, Basic Book, Harper New York.

الأستاذ علي حامد الرشدي
الأستاذ علي حامد الرشدي
المدير العام للمنتدي

عدد المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 12/11/2010

https://psychology.7olm.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى